في رثاء شهيد الأقصى المغوار أبي إبراهيم يحيى السنوار.
قَضَى مُقْبِلًا يَغْشَى الرَّدَى وَيُغَالِبُهْ
يُقَاتِلُ فِي بَأْسٍ وَتُخْشَى مَضَارِبُهْ
شَهِيدًا مَضَى فِي سَاحِ عِزٍّ مُكَرَّمًا
يَذُودُ عَنِ الْأَوْطَانِ جُلَّى مَوَاهِبُه
أَبَى الْحُرُّ إِلَّا أَنْ يَنَالَ كَمَا ارْتَضَى
مَمَاتًا عَظِيمًا مِثْلَمَا هُوَ خَاطِبُهْ
تَقَدَّمَ قَبْلَ الْجُنْدِ يَغْشَى عِدَاتَهُ
كَمَوْجٍ بِبَحْرِ الْعِزِّ قَدْ مَاجَ لَاجِبُهْ
لَهَا اللهُ مَا أَحْلَى أَرِيكَةَ عِزَّةٍ
تَرَبَّعَهَا “السِّنْوَارُ” وَالْمَوْتُ طَالِبُهْ
فَيُمْنَاهُ قَدْ جُزَّتْ وَيُسْرَاهُ أُدْمِيَتْ
وَنَحْوَ جِنَانِ الْخُلْدِ رَفَّتْ حَوَاجِبُهْ
عَلَى مَقعَدِ العِزِّ استَرَاحَ مُضَمِّداً
جِرَاحاً عَمِيقاتٍ تَئِنُّ جَوَانِبُهْ
وَلَمَّا دَنَتْ مِنْهُ مُسَيَّرَةُ الْعِدَى
رَمَاهَا بِعُودٍ وَالسُّرُورُ يُغَالِبُهْ
فَيَا مَشْهَدًا أَزْرَى بِكُلِّ مَشَاهِدٍ
وَيَا بَطَلًا فِي الْحَرْبِ خَابَ مُحَارِبُهْ
وَزُفَّ إِلَى الْخُلْدِ الَّذِي تَاقَ رُوحُهُ
إِلَيْهِ شَهِيدًا قَدْ أُجِيبَتْ مَآرِبُهْ
فَيَا دَرسَ عِزٍّ فِي زَمَانِ مَذَلَّةٍ
سَتَذكُرُهُ الأَجيَالُ تُجْلَى غَرَائِبُهْ
يُخَلَّدُ فِي سِفْرِ البُطُولاتِ آيَةً
إِذَا تُلِيَتْ تَهْمِي عَلَيْنَا سَحَائِبُهْ
فَيَا أَيُّهَا الْبَاغِي سَتَفْرَحُ لَحْظَةً
وَتَبْقَى دُهُورًا فِي الْقُلُوبِ مَنَاقِبُهْ
لَئِنْ غَابَ جِسْمُ الْفَارِسِ الشَّهْمِ عَنْهُمْ
فَرُوحُ الْجِهَادِ الْحَقِّ سَارَتْ مَوَاكِبُهْ
سَيَبْقَى عَلَى مَرِّ الزَّمَانِ بُطُولَةً
تُشَنِّفُ سَمْعَ الدَّهْرِ دَوْمًا عَجَائِبُهْ
شَهِيدُ الْعُلَا “السِّنْوَارُ” عَزَّ جَنَابُهُ
وَتَزْهُو بِهِ “الْقَسَّامُ” تَسْمُو “كَتَائِبُهْ”
شَهِيدٌ رَأَى الْبَغْيَ اسْتَبَاحَ دِيَارَهُ
فَهَبَّ كَلَيْثٍ هَاجَ تَدْمَى نَوَاشِبُهْ
طَوَاهُ الرَّدَى فَالْكَوْنُ لِلْمَجْدِ مَأْتَمٌ
فِلَسْطِينُ وَالْأَقْصَى تَنُوحُ نَوَادِبُهْ
سَمَا فَوْقَ هَامِ الْكَوْنِ شَمْسًا مُنِيرَةً
تُضِيءُ دُجىً مُحْلَوْلِكَاتٌ مَصَائِبُه
فَتًى قَادَ جَيْشَ الْمُؤْمِنِينَ لِنُصْرَةٍ
وَكَانَ لِوَاءُ النَّصْرِ دَوْمًا يُصَاحِبُهْ
تَحَدَّى طُغَاةَ الْأَرْضِ لَمْ يَخْشَ بَأْسَهُمْ
وَكَانَتْ سِهَامُ الْمَوْتِ مِنْهُمْ تُرَاقِبُهْ
وَقَالُوا جَبَانٌ وَهْوَ لَيْثٌ لَدَى الْوَغَى
إِذَا صَالَ صَالَتْ لِلْحُتُوفِ مَخَالِبُهْ
وَقَالُوا تَخَفَّى كَالنِّسَاءِ مُقَنَّعًا
وَيَدَّرِعُ الْأَسْرَى فَتِلْكَ مَثَالِبُهْ
فَهَا هُوَ يَرْقَى فِي اشْتِبَاكِ مُجَاهِدٍ
وَقَدْ أَثْخَنَتْ فِي الْهَارِبِينَ مَضَارِبُهْ
كَذَبْتُمْ فَمَا بِالْجُبْنِ قَدْ وَاجَهَ الْعِدَى
وَلَا خَوَرُ الْأَنْذَالِ يَوْمًا يُقَارِبُهْ
أَفِي ثَوْبِ أُنْثَى مَنْ يَخُوضُ مَعَارِكًا
وَيَقْتَحِمُ الْأَهْوَالَ وَالْمَوْتُ جَانِبُهْ؟
لَقَدْ زَعَمُوا زَعْمًا لِإِخْفَاءِ عَجْزِهِمْ
وَلَمْ يَعْرِفِ الْمَذْعُورُ كَيْفَ يُحَاسِبُهْ
فَتًى هَمُّهُ الْإِسْلَامُ يَحْمِي ذِمَارَهُ
وَيَبْذُلُ رُوحًا قَدْ شَرَى الْخُلْدَ صَاحِبُهْ
وَقَدْ عَرَفَ السِّجْنَ الْعُقُودَ فَلَمْ يَهِنْ
وَعَادَ إِلَى دَرْبِ الْكِفَاحِ يُوَاكِبُهْ
أَسِيرًا قَضَى فِي السِّجْنِ عِشْرِينَ حِجَّةً
تَلَتْهَا ثَلَاثٌ حَنَّكَتْهُ تَجَارِبُهْ
فَمَا لَانَ مِنْهُ الْعَزْمُ بَلْ زَادَ حَزْمُهُ
وَعِنْدَ احْتِدَامِ الْبَأْسِ تُخْشَى عَوَاقِبُهْ
إِذَا ذُكِرَ الْأَبْطَالُ فَهْوَ إِمَامُهُمْ
تَقُودُهُمْ نَحْوَ الْعُلَاءِ نَجَائِبُهْ
أَقَامَ عَلَى الْإِيمَانِ صَرْحًا مُمَنَّعًا
وَشَيَّدَ مَجْدًا لَا تُنَالُ مَرَاتِبُهْ
فَتًى هَمُّهُ التَّحْرِيرُ لِلْقُدْسِ طَاعَةً
لِرَبِّ الْوَرَى وَاللهُ تُرْجَى مَوَاهِبُهْ
لَقَدْ بَاعَ لِلهِ النَّفِيسَ مُجَاهِدًا
فَمَا خَافَ يَوْمًا أَنْ تُنَالَ جَوَانِبُهْ
وَلَمْ تُغْرِهِ فِي الْكَوْنِ دُنْيَا غَرِيرَةٌ
إِذَا غَرَّ بَعْضَ النَّاسِ مِنَّا كَوَاعِبُهْ
وَلَمْ يَحْتَفِلْ يَوْمًا بِدُنْيَا يُصِيبُهَا
وَلَا كَانَ فِي هَذَا الرُّغَامِ رَغَائِبُهْ
فَآهٍ عَلَى لَيْثٍ أُهِيضَ جَنَاحُهُ
وَكَمْ نَكَّلَتْ فِي الْغَاصِبِينَ كَتَائِبُهْ
وَلَهْفِي عَلَيْهِ قَائِدًا ثَمَّ مَا انْثَنَى
أَمَامَ عَدُوِّ اللهِ تَعْلُو مَطَالِبُهْ
شَهِيدٌ رَأَى الطُّغْيَانَ يَجْتَاحُ أَرْضَهُ
فَهَبَّ يَقُودُ الْجُنْدَ عَزْمًا يُحَارِبُهْ
لَأَنْتَ الزَّعِيمُ الْحَقُّ أَيْقَظْتَ أُمَّةً
تَقَاذَفَهَا دَهْرٌ تَوَالَتْ نَوَائِبُهْ
وَمَا ضَرَّكُمْ خِذْلَانُ مَنْ هَانَ أَمْرُهُ
أَعَاجِمُ تَعْوِي ثَمَّ تَتْلُو أَعَارِبُهْ
رِجَالُ حَمَاسٍ عَاهَدُوا اللهَ أَنَّهُمْ
سَيَمْضُونَ حَتَّى يُرْجِعَ الْحَقَّ غَاصِبُهْ
فَتًى سَلَّ سَيْفَ الْحَقِّ يَحْمِي ذِمَارَهُ
فَأَرْعَبَ جَيْشَ الظُّلْمِ وَالرِّجْسِ قَاضِبُهْ
هُمَامٌ إِذَا نَادَى الْجِهَادُ أَجَابَهُ
وَإِنْ لَاحَ دَرْبُ الْعِزِّ شُدَّتْ رَكَائِبُهْ
إِذَا مَا دَعَا لِلْحَرْبِ لَبَّى نِدَاءَهُ
جَحَافِلُ آسَادٍ تَدَاعَتْ تُوَاكِبُهْ
فَيَا لَهْفَ قَلْبِي إِذْ هَوَى لَيْثُ غَزَّةٍ
وَقَدْ مَلَأَتْ آفَاقَ مَجْدٍ نَقَائِبُهْ
وَآهٍ عَلَى حُرٍّ تَسَامَى بِفِعْلِهِ
فَأَضْحَتْ سَمَاءُ الْمَجْدِ تَزْهُو كَوَاكِبُهْ
لَئِنْ غَيَّبُوا جِسْمًا فَرُوحُ جِهَادِهِ
سَيُذْكِي حَمَاسًا تَسْتَجِيشُ حَلَائِبُهُ
وَيَبْقَى عَلَى مَرِّ الزَّمَانِ مُطَالِبًا
بِثَأْرٍ، وَلَا يَغْفُو عَنِ الثَّأْرِ طَالِبُهُ
سَيُخْزِيكُمُ مَنْ قَدْ خَبَرْتُمْ فِعَالَهُمْ
بِيَوْمٍ أَغَرَّ لَيْسَ تَخْفَى عَجَائِبُهُ
رِجَالٌ عَلَى الْعَهْدِ الْأَصِيلِ تَعَاهَدُوا
فَمَا حَادَ عَنْ دَرْبِ الْفِدَاءِ حَبَائِبُهْ
تَمَرَّسَ كُلٌّ مِنْهُمُ فِي اقْتِنَاصِكُمْ
فَسَحْقُ الْعِدَى يَوْمَ اللِّقَاءِ مَلَاعِبُهْ
رِجَالُ جِهَادٍ لَا رِجَالُ مَرَاقِصٍ
وَمَنْ يَطَّلِبْ مَوْتًا فَقَدْ عَزَّ غَالِبُهُ
لَقَدْ وَاعَدُوا حُورَ الْجِنَانِ فَقَلْبُهُمْ
حُمَيَّاهُ قَدْ حُمَّتْ وَجَاشَتْ جَوَاذِبُهُ
سَقَى الْأَرْضَ مِنْ زَاكِي الدِّمَاءِ فَأَزْهَرَتْ
رِيَاضُ الْفِدَا وَالنَّصْرُ حَانَتْ أَطَايِبُهْ
لَقَدْ ظَنَّ أَعْدَاءُ الْحِمَى أَنَّ قَتْلَهُ
سَيُطْفِئُ ثَأْرًا ثَارَ تَذْكُو لَوَاهِبُهْ
وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الشَّهِيدَ إِذَا مَضَى
سَيَقْفُو خُطَاهُ بَعْدَهُ مَنْ يُنَاسِبُهْ
لَقَدْ كُنْتَ فَجْرًا لِلْكَرَامَةِ سَاطِعًا
يُنِيرُ دُرُوبَ الْعِزِّ تُجْلَى جَوَانِبُهْ
وَزَلْزَلْتَ بِالطُّوفَانِ أَرْكَانَ ظُلْمِهِمْ
فَطُغْيَانُهُ اسْتَشْرَى إِذِ الْكُلُّ هَائِبُهْ
وَمَزَّقْتَ عَنْ وَجْهِ الظَّلَامِ قِنَاعَهُ
فَأَسْفَرَ صُبْحٌ مُبْهِرٌ زَاغَ حَاجِبُهْ
رَأَيْنَا الْوَرَى جَابُوا يُنَادُونَ “حُرَّةٌ
فِلَسْطِينُ” حَتَّى جَدَّ بِالْأَمْرِ لَاعِبُهْ
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ مَا هَبَّت الصَّبَا
وَمَا أَشْرَقَ الْإِصْبَاحُ تَعْلُو مَرَاتِبُهْ
اسطنبول
18-10-2024