أَلَا رَعْشَةً خَضْرَاءَ تَنْبِضُ فِي الحِمَى
فَتُوقِظُ نَبْضَ القَلْبِ مِنْ غَفْوَةِ العَمَى
ألا قَدَراً يجري بأجنحةِ المُنى
ويُشعِلُ في الأفقِ البعيدِ تَبَسُّمَا
أَلَا وَطَناً يَسـْرِي عَلَى جُرْحِ غُرْبَتِي
وَيَرْسُمُ فِي عَيْنَيَّ فَجْراً مُبَلْسِمَا
فَأَنْسُجُ مِنْ أَشْوَاقِنَا البِكْرِ قِصَّةً
وَأَسْكُبُ فِيْ كُرَّاسَتِي الوَجْدَ مُلْهَمَا
يُفَجِّرُ فِي صَدْرِي السُّؤَالَ تَوَجُّعِي
وَيَزْرَعُ فِي عَيْنَيَّ سِرّاً مُطَلْسَمَا
تَنَاثَرَ فِي المِرْآةِ طَيْفُ حَبِيبَةٍ
فَصَارَ ضَيَاعِي فِي المَنَافِي مُحَتَّمَا
أُفَتِّشُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالقَلْبِ عَنْ هَوىً
وَأَرْسُمُ فِي الكُرَّاسِ قَلْباً مُحَطَّمَا
أَلَا أَيُّهَا المَحْمُولُ فَوْقَ ضُلُوعِنَا
سَكَبْتَ عَلَى الأَيَّامِ حُزْناً مُخَيِّمَا
سَكَبْتَ عَلَى الأَيَّامِ وَاسْتَلَّ خَافِقِي
مِنَ الصَّمْتِ لَحْنَاً فِي المَدَى مُتَرَنِّمَا
أَنَا وَالمَدَى جُرْحَانِ نَنْزِفُ غُرْبَةً
وَتَسْكُنُ فِي أَحْشَائِنَا لُغَةُ الدِّمَا
أُقَطِّرُ مِنْ دَمْعِي نَبِيذَ حِكَايَةٍ
وَأُمْطَرُ مِنْ قَلْبِي رحيقا وعلقما
تَخَثَّرَ فِي جَفْنِي نَزِيفُ قَصِيدَةٍ
تَسـَرَّبَ مِنْ رُوحِي نَشِيدًا مُهَيْنِمَا
يُعَرِّشُ فِي صَدْرِي حَنِينٌ كَأَنَّهُ
عَنَاقِيدُ نَارٍ أَيْنَعَتْ فِي دَمِي ظَمَا
فَيَا رَاكِباً فِي مَوْجَةِ الحُلْمِ هَائِماً
أَرَى الأُفْقَ فِي عَيْنَيْكَ بَحْراً مُتَيَّمَا
وَأَقْرَأُ فِي كَفَّيْكَ سِفْرَ رِوَايَةٍ
تُعَلِّمُنِي كَيْفَ الهَوَى قَدْ تَعَلَّمَا
كَأَنَّ فُؤَادِي طَائِرٌ مُتَـشَرِّدٌ
جَنَاحَاهُ قَدْ مَلَّا فَضَاءً مُـشَرْذَمَا
سَأَحْمِلُ فِي عَيْنَيَّ بدرا وَغُرْبَةً
وَأَمْضِي إِلَى دَرْبِ الحَنِينِ مُيَمِّمَا
وَأَنْثُرُ فِي صَحْرَاءِ عُمْرِيَ أَدْمُعاً
لَعَلَّ رَبِيعَ القَلْبِ يَرْجِعُ عِنْدَمَا
سَقَتْنِي كُؤُوسَ البُعْدِ كَفٌّ غَرِيْبَةٌ
فَصِرْتُ غَرِيباً فِي الدُّنَى وَمُيَتَّمَا
أُعَانِقُ طَيْفَ الذِّكْرَيَاتِ لَعَلَّهَا
تُعِيدُ إِلَى رُوحِي شَبَاباً تَصَرَّمَا
سَكَبْتُ عَلَى مِرْآةِ رُوحِي قَصَائِدِي
لِتَعْصـِرَ مِنْ أَحْشَائِهَا الـسِّرَّ مُلْهَمَا
تَشَظَّتْ عَلَى مِرْآةِ عَيْنِي حَقِيقَةٌ
فَأَصْبَحْتُ والأَيَّامُ جُرْحاً مُهَشّمَا
وَأَغْرِسُ فِي صَمْتِ المَسَافَاتِ صَرْخَةً
لَعَلَّ صَدَى الأَوْطَانِ يَرْجِعُ مُفْعَمَا
فيَا رَاحِلاً فِي مَوْكِبِ اللَّيْلِ صَامِتاً
أَرَاكَ عَلَى دَرْكِ المُرَادِ مُصَمِّمَا
وَيَا وَطَناً فِي القَلْبِ يَخْفِقُ دَائِماً
وَيَسْكُبُ فِي رُوحِي شَذَاهُ مُفَغَّمَا
تَفَجَّرَ فِي أَعْمَاقِنَا سِرُّ غُرْبَةٍ
وَأَضْحَى بِنَا دَرْبُ السُّؤَالِ مُلَغَّمَا
سَأَنْحَتُ فِي صَخْرِ الدَّهْورِ قَصِيْدَتِي
وَأَتْرُكُهَا تَرْوِي الحَدِيثَ المُرَجّمَا
وَأَمْضِي إِلَى أَقْصَى المَدَى مُتَوَحِّداً
أُعَانِقُ فِي صَمْتِي بَيَانًا مُنَغَّمَا
فَيَا أَيُّهَا السَّارِي عَلَى دَرْبِ غُرْبَتِي
تَمَهَّلْ فَإِنَّ البَدْرَ نَادَاكَ فِي السَّمَا
صَحِبْتُكَ فِي مَنْفَاكَ بَلْ كُنْتُ شَاهِداً
عَلَى مَا تُعَانِي مِنْ حَنِينٍ وَمِنْ ظَمَا
وَكُنْتُ رَفِيقَ اللَّيْلِ أَرْقُبُ صَمْتَهُ
وَأَشْهَدُ دَمْعاً قَدْ كَفَفْتَ لِيَسْجُمَا
أَرَاكَ تُنَاجِي الذِّكْرَيَاتِ وَعَهْدَهَا
وَتَحْمِلُ فِي الأَحْشَاءِ جُرْحاً مُضَرَّمَا
وَجَدْتُكَ تَرعَى النَّجْمَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ
وَتَسْكُبُ عَيْنَاكَ الدُّمُوعَ مَعَ الدِّمَا
وَأُبْصِرُ فِي عَيْنَيْكَ بَحْراً مِنَ الأَسَى
وَلَيْلاً طَوِيلاً بِالأَنِينِ تَحَزَّمَا
وَلَمْ أَدْرِ أَنَّ اللَّيْلَ يَحْمِلُ غُرْبَةً
وَأَنَّ سَوَادَ اللَّيْلِ يَصْنَعُ مَأْتَمَا
وَتَرْسُمُ لِلأَوْطَانِ خَارِطَةَ الرُّؤَى
وَتَسْتَوْدِعُ الأَفْلاكَ مَا ظَلَّ مُبْهَمَا
تُؤَرِّخُ لِلْمَنْفَى بِأَجْفَانِ شَاعِرٍ
يُقَطِّرُ مِنْ جَنْبَيْهِ وَجْداً مُتَرْجِمَا
وَتَقْرَأُ فِي صَمْتِ المَسَافَاتِ رِحْلَةً
يُشَـرِّدُهَا المَنْفَى وَتَنْأَى عَنِ الحِمَى
وَأَبْصَرَتِ “الزَّرْقَاءُ” مِنْ خَلْفَ مُقْلَتِي
لِتُطْلِقَ لِي الرُّؤْيَا لِأَسْتَبْـصِرَ السَّمَا
أرَى كَيْفَ يَنْزَاحُ الزَّمَانُ بِغُرْبَةٍ
وَكَيْفَ يَصِيرُ الأُفْقُ بَحْراً عَرَمرَمَا
أَرَى وَطَنُا يَشْتَاقُ خَلْفَ ضَبَابِهِ
يُكَوِّمُ أَشْلاءَ الحَنِينِ مُلَمْلَمَا
وَيَا حَامِلاً فِي القَلْبِ بَرْقَ قَصِيدَةٍ
تُحِيلُ منافي التِّيهِ دَرْبًا وَمَعْلَمَا
وَقَدْ شَاقَهُ ظِلٌّ يَفِيءُ لِحِضْنِهِ
وَيَلْقَى بِجَنْبِ الشَّطِّ مَعْسُولَةَ اللَّمَى
وَعَدْتُكَ لَنْ آلُو مِنَ الجَهْدِ طَاقَةً
وَلَيْسَ بَعِيداً أَنْ تَرَى البَذْرَ بُرْعُمَا
سَأَمْضِي وَيَبْقَى اللَّيْلُ يَذْكُرُ قِصَّةً
وَيَحْفَظُ لِلآتِينَ سِرّاً مُكَتّمَا
أسَطِّرُ فِي سِفْرِ الزَّمَانِ قَصِيدَةً
تُخَلِّدُ فِي التَّارِيخِ جُرْحاً وَمَلْحَمَا
سَتَـسْرُدُ مِنْ دَرْبِ المَنَافِي حِكَايَةً
وَنَتْرُكُ لِلأجْيَالِ سِفْراً مُرَقَّمَا
وَتَبْقَى عَلَى مَرِّ الجَدِيدَيْنِ شَاهِداً
عَلَى زَمَنٍ فِي القَلْبِ يَبْقَى مُيَتَّمَا